" و هو على ثلاث درجات ، الدرجة الأولى : تجنب القبائح لصون النفس ، و توفير الحسنات ، و صيانة الإيمان " . صون النفس : و هو حفظها و حمايتها عما يشينها ، و يعيبها و يزرى بها عند الله عز و جل و ملائكته ، و عباده المؤمنين و سائر خلقه ، فإن من كرمت عليه نفسه و كبرت عنده صانها و حماها ، و زكاها و علاها ، و وضعها فى أعلى المحال ، و زاحم بها أهل العزائم و الكمالات ، و من هانت عليه نفسه و صغرت عنده ألقاها فى الرذائل ، و أطلق شناقها ، و حل زمامها و أرخاه ، و دساها و لم يصنها عن قبيح ، فأقل ما فى تجنب القبائح : صون النفس .
أما توفير الحسنات فمن وجهين :
أحدهما : توفير زمانه على اكتساب الحسنات ، فإذا اشتغل بالقبائح نقصت عليه الحسنات التى كان مستعدا لتحصيلها .
و الثانى : توفير الحسنات المفعولة عن نقصانها ، بموازنة السيئات و حبوطها . إن السيئات قد تحبط الحسنات ، و قد تستغرقها بالكلية أو تنقصها ، فلابد أن تضعفها قطعا ، فتجنبها يوفر ديوان الحسنات ، و ذلك بمنزلة من له مال حاصل ، فإذا استدان عليه ، فإما أن يستغرقه الدين أو يكثره أو ينقصه .
و أما صيانة الإيمان :
فلأن الإيمان عند جميع أهل السنة يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية ، فإن العبد - كما جاء فى الحديث الشريف - " إذا أذنب نكت فى قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب و استغفر صقل قلبه ، و إن عاد فأذنب نكت فيه نكتة أخرى ، حتى تعلو قلبه ، و ذلك الران الذى قال الله تعالى : " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " ( سورة المطففين - 14 ) .
فالقبائح تسود القلب ، و تطفئ نوره ، و الإيمان هو نور فى القلب ، و القبائح تذهب به أو تقلله قطعا ، فالحسنات تزيد نور القلب ، و السيئات تطفئ نور القلب .
هذه الثلاث صفات هى فى الدرجة الأولى من ورع المريدين .
" مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد و إياك نستعين "
للإمام / شمس الدين ابن قيم الجوزية
السلام عليكم و رحمة الله
شرين