مع أن نعم الله تلاحقنا فى كل نفس يملأ الصدر بالهواء ، و كل خفقة تدفع الدماء فى العروق ، فنحن قلما نحس ذلك الفضل الغامر ، أو نقدر صاحبه ذا الجلال و الإكرام ..
و قد أراد الله عز و جل أن ينبه الناس إلى ما خولهم من بره فقال :
" الله الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه و النهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس و لكن أكثر الناس لا يشكرون . ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون . كذلك يؤفك الذين بآيات الله يجحدون . الله الذى جعل لكم الأرض قرارا و السماء بناء و صوركم فأحسن صوركم و رزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين " .
( سورة غافر : 61-64 )
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" من اصطنع إليكم معروفا فجازوه ، فإن عجزتم عن مجازاته فادعوا له ، حتى تعلموا أنكم قد شكرتم ، فإن الله شاكر يحب الشاكرين " .
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" من أعطى عطاء فوجد فليجز به ، فإن لم يجد فليثن . فإن من أثنى فقد شكر ، و من كتم فقد كفر " .
و قال :
" إن أشكر الناس لله تبارك و تعالى ، أشكرهم للناس " .
و قال :
" من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، و من لم يشكر الناس لم يشكر الله ، و التحدث بنعمة الله شكر ، و تركها كفر ، و الجماعة رحمة و الفرقة عذاب " .
إلا أن الإسلام مع توكيده لواجب الشكر و تحقيره لشأن الجاحدين يطلب من أولى الخير أن يجعلوا عملهم خالصا لوجه الله و أن يبعدوا عن مقاصدهم كل دخل ، فإن غش النية يفسد العمل و يحبط الأجر ، و المعروف الذى يقبل و يحترم هو الذى يبذله صاحبه بدوافع الخير المحض لا يطلب عليه ثناء بشر و لا شكره ، إنما يطيع به أمر الله و يطلب رضوانه و مغفرته .
و الإسلام بما يفرضه على العمل من إخلاص يريد أن يحرر القلوب من قيود الأغراض و أن يعلقها بالله ، فهى تفعل الخير عن بواعث نقية ، و عن حب مكين له و رغبة قوية فى تحقيقه دون نظر إلى مدايح الناس أو تطلع إلى منزلة ما بينهم .
لا تعول على حمد أحد أو تقديره ، كن كما وصف الله الأبرار من عباده :
" و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا . إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا "
( سورة الإنسان : 8-9 )
لا تنتظر أن يشكرك أحد من الناس بل توقع أن يضيق الناس بك :
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا
عنى و ما سمعوا من صالح دفنوا
جهلا علينا ، و جبنا عن عدوهم
لبئست الخلتان : الجهل و الجبن
و قد نتعلم الإخلاص لله من مسلك الإمام الشافعى الذى ملأ طباق الأرض علما ثم قال :
وددت لو نشر هذا العلم دون أن يعرف صاحبه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق