الزهد فى نفسه عزوف القلب عن الدنيا و إعراضه عنها ، و تركه لها ، و نظره إليها بعين التغيير و الزوال. فإن صحت للعبد هذه الدرجة سلم من رق الدنيا و استقام له الذهاب إلى الله تعالى و أراح قلبه و بدنه منها ، و صارت الدنيا له خادما تأتيه راغمة . إن فيما جاوز الحاجة من الدنيا مرضا لليقين ، و غشاوة للبصائر، و هو فى حق الزاهد نقص ، و لعين قلبه عمى . هذا طريق ليس لمحب الدنيا فيه موضع ، و إنما وضع لسلاكه ، المستعدين لصعوباته ، الذين يرون ما جاوز الحاجة من الدنيا فضولا ، و يرون المتمسك بالفضول عندهم معلولا .
واعلم أن الدنيا التى يجب الزهد فيها شيئان : الأول و هو ما تعلق به منها حبك فوجدته فشغلك عن الله تعالى السرور به . و الثانى ما تعلق به منها أيضا حبك فمنعت منه و شغلت عن الله تعالى بالتأسف عليه . فهاتان العلتان تستجلبان البعد للقلوب عن الله سبحانه. و قد ندب الله عز و جل عباده إلى اجتناب هذين الشيئين فقال تعالى : " لكى لا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم " ( سورة الحديد - الآية 23 ) . فالفرح بالموجود منها محنة ، و التأسف على الفائت منها معصية محضة . فلله تعالى قضاء يجعل ما تحب من الدنيا فى يدك ، و له أيضا قضاء يزيل عن يدك ما جعل فيه مما تحب . و فى الحقيقة القضاء واحد ، فمتى فرحت بما أوتيت منها تأسفت على زواله لا محالة ، و هو سبب تلقى القضاء بالسخط ، و ليس كل قضاء يوافق إرادة العبد ، فإن المقادير تجرى على وفق إرادة الملك ، لا على وفق إرادة المملوك ، فمتى خالف القضاء إرادة العبد المحروم لم يجد للصبر و الرضى أثرا فلا عثور على مقام الزهد إلا بعد تجرد النفس عن الفرح بالموجود و التأسف على الفائت .
السلام عليكم و رحمة الله
شرين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق