قال الله تعالى : " ما عندكم ينفد و ما عند الله باق " ( سورة النحل : 96 ) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الزهد ترك ما لا ينفع فى الآخرة ، و الورع : ترك ما تخاف ضرره فى الآخرة . و قال الجنيد : سمعت سريا يقول : إن الله - عز و جل - سلب الدنيا عن أوليائه ، و حماها عن أصفيائه ، و أخرجها من قلوب أهل وداده ، لأنه لم يرضها لهم . و قال : الزهد فى قوله تعالى : " لكيلا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم و الله لا يحب كل مختال فخور " ( سورة الحديد : 23 ) . فالزاهد لا يفرح من الدنيا بموجود ، و لا يأسف منها على مفقود . و قال ابن خفيف : الزهد وجود الراحة فى الخروج من الملك . و قال أيضا : الزهد سلو القلب عن الأسباب ، و نفض الأيدى من الأملاك . و قال الجنيد : الزهد خلو القلب عما خلت منه اليد . و عن الإمام أحمد : الزهد عدم فرحه بإقبال الدنيا ، و لا حزنه على إدبارها . و قال سليمان الدارانى : ترك ما يشغل عن الله ، و هو قول الشبلى . و سأل رويم الجنيد عن الزهد ؟ فقال : استصغار الدنيا ، و محو آثارها من القلب ، و قال مرة : هو خلو اليد عن الملك ، و القلب عن التتبع . و قال يحيى بن معاذ : لا يبلغ أحد حقيقة الزهد حتى يكون فيه ثلاث خصال : عمل بلا علاقة ، و قول بلا طمع ، و عز بلا رياسة . و قيل : الزهد الإيثار عند الإستغناء ، و الفتوة الإيثار عند الحاجة ، قال الله تعالى : " و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة " ( سورة الحشر : 9 ) . و قد قال الإمام أحمد بن حنبل : الزهد على ثلاثة أوجه : الأول : ترك الحرام ، و هو زهد العوام ، و الثانى : ترك الفضول من الحلال ، و هو زهد الخواص ، و الثالث : ترك ما يشغل عن الله ، و هو زهد العارفين . و الذى أجمع عليه العارفون : أن الزهد سفر القلب من وطن الدنيا ، و أخذه من منازل الآخرة . و من أحسن ما قيل فى الزهد ، كلام الحسن أو غيره : ليس الزهد فى الدنيا بتحريم الحلال ، و لا إضاعة المال ، و لكن أن تكون بما فى يد الله أوثق منك بما فى يدك ، و أن تكون فى ثواب المصيبة - إذا أصبت بها - أرغب منك فيها لو لم تصبك .
مدارج السالكين
الإمام / شمس الدين ابن قيم الجوزية ( 691 - 751 ه )
السلام عليكم و رحمة الله
شرين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق