قال تعالى : " و ثيابك فطهر " ( سورة المدثر : 4 ) ، قال قتادة و مجاهد : نفسك فطهر من الذنب ، فكنى عن النفس بالثوب ، و قال ابن عباس رضى الله عنهما : لا تلبسها على معصية و لا غدر ، ثم قال : أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفى :
و إنى - بحمد الله - لا ثوب غادر
لبست و لا من غدرة أتقنع
و العرب تقول فى وصف الرجل بالصدق و الوفاء : طاهر الثياب ، و تقول للغادر و الفاجر : دنس الثياب ، و قال أبى بن كعب : لا تلبسها على غدر ، و الظلم و الإثم ، و لكن البسها و أنت بر طاهر . و قال الضحاك : عملك فأصلح ، قال السدى : يقال للرجل ، إذا كان صالحا : إنه لطاهر الثياب ، و إذا كان فاجرا : إنه لخبيث الثياب ، و قال سعيد بن جبير : و قلبك و بيتك فطهر ، و قال الحسن و القرظى : و خلقك فحسن . و قال ابن سيرين و ابن زيد : أمر بتطهير الثياب من النجاسات التى لا تجوز الصلاة معها .
" الورع " يطهر دنس القلب و نجاسته ، كما يطهر الماء دنس الثوب و نجاسته ، و بين الثياب و القلوب مناسبة ظاهرة و باطنة ، و لذلك تدل ثياب المرء فى المنام على قلبه و حاله ، و يؤثر كل منهما فى الآخر ، و تأثير القلب و النفس فى الثياب أمر خفى ، يعرفه أهل البصائر من نظافتها و دنسها و رائحتها ، و بهجتها و كسفتها .
و قد جمع النبى صلى الله عليه و سلم الورع كله فى كلمة واحدة فقال : " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " ، فهذا يعم الترك لما لا يعنى : من الكلام ، و النظر ، و الإستماع ، و البطش ، و المشى ، و الفكر ، و سائر الحركات الظاهرة و الباطنة ، فهذه الكلمة كافية شافية فى الورع . قال إبراهيم بن أدهم : الورع ترك كل شبهة ، و ترك ما لا يعنيك هو ترك الفضلات ، و فى الترمذى مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه و سلم : " يا أبا هريرة كن ورعا تكن أعبد الناس " . قال الشبلى : الورع أن يتورع عن كل ما سوى الله ، و قال إسحاق بن خلف : الورع فى المنطق أشد منه فى الذهب و الفضة ، و الزهد فى الرياسة : أشد منه فى الذهب و الفضة ، لأنهما يبذلان فى طلب الرياسة . و قال أبو سليمان الدارانى : الورع أول الزهد ، كما أن القناعة أول الرضا . و قال يحيى بن معاذ : الورع الوقوف على حد العلم من غير تأويل ، و قال : الورع على وجهين : ورع فى الظاهر ، و ورع فى الباطن ، فورع الظاهر : أن لا يتحرك إلا لله ، و ورع الباطن : هو أن لا تدخل قلبك سواه ، و قال : من لم ينظر فى الدقيق من الورع لم يصل إلى الجليل من العطاء . و قال سهل : الحلال هو الذى لا يعصى الله فيه ، و الصافى منه الذى لا ينسى الله فيه . و قال بعض السلف : لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس . و قال بعض الصحابة : كنا ندع سبعين بابا من الحلال مخافة أن نقع فى باب من الحرام .
مدارج السالكين
الإمام / شمس الدين ابن قيم الجوزية
السلام عليكم و رحمة الله
شرين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق