السبت، 19 يونيو 2010

لا تستسلم للغضب


الغالب أن الإنسان يتغير ، ثم يغتاظ ، ثم تنفجر ثورته إذا اقتحمت نفسه ، كما يقتحم العدو بلدا سقط فى قبضته و أعلن الإستسلام . أما إذا أيقن أن عدوه يحاول المستحيل باستفزازه ، و أنه مهما بذل فلن يجرحه ، فإن هذه الطمأنينة تجعله يتلقى الضربات بهدوء ، أو بابتسام ، أو بسخرية .

الرجل العظيم حقا كلما حلق فى آفاق الكمال اتسع صدره ، و امتد حلمه ، و عذر الناس من أنفسهم ، و التمس المبررات لأغلاطهم . فإذا عدا عليه غر يريد تجريحه ، نظر إليه من قمته كما ينظر الفيلسوف إلى صبيان يعبثون فى الطريق و قد يرمونه بالأحجار . و قد رأينا الغضب يشتط بأصحابه إلى حد الجنون عندما تقتحم عليهم نفوسهم . أفلو كان الشخص يعيش وراء أسوار عالية من فضائله يحس بوخز الألم على هذا النحو الشديد ؟ كلا . إن الإهانات تسقط على قاذفها قبل أن تصل إلى مرماها البعيد . و هذا المعنى يفسر لنا حلم " هود " و هو يستمع إلى إجابة قومه بعدما دعاهم إلى توحيد الله ، قالوا :

" إنا لنراك فى سفاهة و إنا لنظنك من الكاذبين . قال يا قوم ليس بى سفاهة و لكنى رسول من رب العالمين . أبلغكم رسالات ربى و أنا لكم ناصح أمين " ( سورة الأعراف : 66 - 68 )

إن شتائم هؤلاء الجهال لم يطش لها حلم هود لأن الشقة بعيدة بين رجل اصطفاه الله رسولا ، فهو فى الذؤابة من الخير و البر ، و بين قوم سفهوا أنفسهم ، و تهاووا على عبادة الأحجار.

ما يضير البحر أمسى زاخرا

إن رمى فيه غلام بحجر ؟

يروى أن رجلا سب الأحنف بن قيس - و هو يماشيه فى الطريق - فلما قرب من المنزل وقف الأحنف و قال : يا هذا ، إن كان بقى معك شيء فقله ههنا ، فإنى أخاف إن سمعك فتيان الحى أن يؤذوك .

و قال رجل لأبى ذر : أنت الذى نفاك معاوية من الشام ؟ لو كان فيك خير ما نفاك !!

فقال : يا ابن أخى ، إن ورائى عقبة كؤودا ، إن نجوت منها لم يضرنى ما قلت ، و إن لم أنج منها فأنا شر مما قلت !!

و شتم رجل الشعبى فقال له : إن كنت صادقا فغفر الله لى ، و إن كنت كاذبا فغفر الله لك .

و شتم رجل أبا ذر الغفارى فقال له أبو ذر : يا هذا لا تغرق فى شتمنا ، و دع للصلح موضعا ، فإنا لا نكافيء من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه .

و مر المسيح بقوم من اليهود فقالوا له شرا ، فقال لهم خيرا ، فقيل له : إنهم يقولون شرا و تقول لهم خيرا ؟ فقال : كل واحد ينفق مما عنده .

و قيل لقيس بن عاصم : ما الحلم ؟ قال : أن تصل من قطعك ، و تعطى من حرمك ، و تعفو عمن ظلمك ..

و قال على : من لانت كلمته وجبت محبته ، و حلمك على السفيه يكثر أنصارك عليه .

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :

" ثلاث من كن فيه آواه الله فى كنفه ، و ستر عليه برحمته ، و أدخله فى محبته : من أذا أعطى شكر ، و إذا قدر غفر ، و إذا غضب فتر " .

استب رجلان عند النبى صلى الله عليه و سلم ، فجعل أحدهما يغضب و يحمر وجهه و تنتفخ أوداجه ، فنظر إليه النبى صلى الله عليه و سلم فقال : " إنى لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه هذا .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ".

قال سبحانه و تعالى :

" فمن عفا و أصلح فأجره على الله "

( سورة الشورى - 40 )

و روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم :

" إذا جمع الله الخلائق نادى مناد : أين أهل الفضل ؟ قال فيقوم ناس - و هم يسير - فينطلقون سراعا إلى الجنة ، فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون : و ما فضلكم ؟ فبقولون : كنا إذا ظلمنا صبرنا ، و إذا أسىء إلينا حلمنا . فيقال لهم أدخلوا الجنة فنعم أجر العاملين " .


السلام عليكم و رحمة الله

شرين

الجمعة، 18 يونيو 2010

الرجاء


قال سبحانه و تعالى :

" قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . إن الله يغفر الذنوب جميعا . إنه هو الغفور الرحيم "

( سورة الزمر - 53 )

فهذه أرجى آية فى كتاب الله عز و جل .

و إذا صح للعبد ترك ما نهى الله عنه و امتثال ما أمر به ألهم تأديب الصديقين و أخلاق الروحانيين .

و البعض رجاؤهم متعلق برحمة الله تعالى ، فإنهم عالمون أن له رحمة وسعت كل شيء فطمعوا فيها و هم ملازمون الذنوب ، و مواظبون على العيوب ، و عقدة الإصرار فى قلوبهم معقودة ، و أعمال الطاعة عندهم مفقودة فرجاؤهم بالرحمة متصل ، و اعتقادهم عن أعمال البر منفصل . فصاروا شبه طالب الحصاد بلا بذر أو كتاجر السفينة بلا بحر . فالراجى بلا طاعة متمن ، و من يتمنى على الله الجنة و هو مجانب لطاعته و راكب لمعصيته أحمق لا محالة .


السلام عليكم و رحمة الله

شرين

الإخلاص


إعلم رحمك الله أن العمل جسد و الإخلاص روحه ، و كل جسد لا روح فيه فهو جيفة ، و عاقبته الطرح لا محالة . و معنى الإخلاص التصفية . و الإخلاص من العقاقير التى لا توضع على شيء إلا عاد طيبا بعدما كان خبيثا .

و فى ذلك قال عليه الصلاة و السلام : " الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة " .


السلام عليكم و رحمة الله

شرين

الصدق


قال سبحانه و تعالى :

" ليسأل الصادقين عن صدقهم " ( سورة الأحزاب - 8 )

الصدق أساس و الأعمال بنيان يرفع عليه ، فإن لم يكن الصدق تهدم بنيان الأعمال من قواعده .

و إذا كان أهل الصدق مطلوبين بالسؤال عن صدقهم فما ظنك بسوء منقلب الكاذب و ذلته عند المساءلة ؟


السلام عليكم و رحمة الله

شرين

الجمعة، 11 يونيو 2010

الرضى


الرضى من أشرف مقامات الذاهبين إلى الله تعالى . فأوله إزالة التهم عن الله مع حصول العلم بأنه غير جائر فى حكمه ، و تعلم أنه يأخذ منك ليعطيك ، و يبتليك ليجزيك . فإذا علمت أنه يختار لك ما لا تستطيع أن تختاره لنفسك فاترك اختيارك ليختار لك ما يشاء ، فإن ترك الإختيار فى حق العبد من أوائل الرضى ، و قد قال سبحانه و تعالى : " و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله تعالى عما يشركون " ( سورة القصص - 68 ) . ليس بعد هذه الآية مطلب فى معنى الرضى لمن كان له فهم و جعل جسمه منصوبا للمقادير تتصرف فيه أحكام القدرة على حسب إرادة الله تعالى بلا نفرة و لا اضطراب . و الله عز و جل إذا رضى عن عبد فى الأزل و اختاره صب عليه البلاء صبا و أعطاه من الرضى ما يقابل به البلوى ، بل يعطيه من المعرفة و التعظيم ما يغيب به عن البلوى و لا يحس بها ، لكنه إن أحس ألمها فى جسمه كان السرور بموافقة إرادة مولاه فى قلبه . فهذا صنف قلوبهم عند الله لا عندهم . قيل : أوحى الله إلى أيوب عليه السلام أنى مبتليك ، قال : يا رب أين يكون قلبى ؟ قال : عندى .

فإن أردت أن تعرف رضى مولاك عنك فانظر إلى رضاك عنه فى البلوى ، و موافقتك إرادته فى المصائب ، فإن كنت موافقا لإرادته فهو عنك راض .

من عرف فضل ما يطلب هان عليه ما يترك . و الجزع ضد الصبر ، و السخط ضد الرضى . إن سلمت له الأمر مع أنه مسلم له سكنت لما يرد عليك من حكمه من أجل فنائك عن إرادتك ثم يكون الحق سبحانه و تعالى هو الذى يتولى زوال البلاء عنك .

إن لم ترد للبلاء بقاء عليك ، و لا زوالا عنك ، قصدا منك لطرح إرادتك و متابعة إرادته مع وجود السرور بمجارى الأقدار ، و الإلتذاذ بموافقة إرادة الجبار فاعلم أنك عبد صدوق .

فإذا اختفى مقام الرضى عن العبد برؤية التفريد ( هو أن يتفرد فى الأحوال عن الأحوال فلا يرى لنفسه حالا بل يغيب برؤية محولها عنها و يتفرد عن الأشكال فلا يأنس بها و لا يستوحش منها ) لم يشاهد العبد للرضى مقاما و لا يحس بمصيبة فيجد حيرة . و لقرب الملك دهشة و سكرة و غيبة و لكدورات البشرية تصفية .


السلام عليكم و رحمة الله

شرين

الصبر


قال سبحانه و تعالى : " و نبلوكم بالشر و الخير فتنة " ( سورة الأنبياء - 35 )

يجب الصبر على البلوى كى لا يقع العبد فى الجزع من مجارى الأقدار ، و يجب الشكر على البلوى إذا صحبها الصبر و عذب مذاقها بالرضى ، و احتسب العبد ما أصابه و تبين له أن احتساب البلوى مع فقد الجزع كنز فى العقبى . فهذه نعمة بطنت فى مصيبة يجب الشكر عليها .

فأول دخول العبد فى الصبر صحبة البلوى بالسكوت عن الشكوى ، و قطع اللسان عما يسخط المولى .

و المقام الثانى فى الصبر هو أن يجد العبد فى البلوى بعض السهولة ، و يجد فى مرارتها بعض العذوبة مع تبرم القلب و قطع الشكاية . و إن قابلت البلوى بالرضا وجدتها شبه العنب إذا ذهبت منه حموضته و طاب طعمه للآكلين . فهذا غاية المعنى لمن قصدها من السالكين .


السلام عليكم و رحمة الله

شرين

فناء


إعلم أيها الأخ الكريم أن الدنيا بحر، و التقوى سفينة ، و شهوات النفس عواصف ، و الناس فى سفر . فمتى هاج البحر بالعواصف ، و خيف على السفينة الغرق و جعل الناس يرمون المتاع لتخف السفينة فأول ما ترمى أنت من السفينة نفسك ، فإن فعلت سكنت العواصف ، و طاب الريح ، و استقام جريان السفينة فتخرج إلى الساحل برأس مالك سالما و أرباح لا تنحصر.

ما اختص عبد بالولاية فى الحواضر و البوادى حتى أخرج من سوى الله من الفؤاد ، و سوى بين البلوى و الأيادى ( النعم ) ، و عفا عن العداة .


السلام عليكم و رحمة الله

شرين

الأنس بالله




القلب إذا سكن لله تأنس به . فبداية الأنس نظرك إلى الله عز و جل بعين الكرم فيبدو منك الرجاء فى كرمه و حسن الظن به ، فيزيد من أجل ذلك بسطك ، فإن البسط ضرب من الأنس ، بل البسط غصن و الأنس ثماره ، و البسط فوق الرجاء .. فمتى تزايد نظرك إليه بعين الكرم و حسن الظن به زاد أنسك به على قدر علمك بكرمه و لطفه . فإن تأمل العبد معنى ذكره بقلبه ، و واظبه فى خلوته ، صار له ربه فى سره أنيسا ، و كان له عند ذكره جليسا . و هذا ضرب من الأنس بمعنى الذكر ، ثم يتهيأ لمجالسة القضاء بالتسليم على بساط الرضى فينظر إلى البلوى بتأمل عواقبها فيجد ظاهرها مدارجا قل الوارد عليها من أجل وعر صعودها ، و يجد باطنها غرفا فوق المدارج ممهدة بفرش ، محفوفة بنور التوفيق و سراج الهداية ، و أبوابها مفتوحة إلى رياض العناية ، و فيها أسرة قوائمها من الخصوصية لا ينزلها من لم تكن له من الملك قربة ، ثم ينظر إلى النعيم بعين الحقيقة فيجد ظاهرها عمودا قائما نحو السماء لا تثبت فى صعوده قدم لمن كشف عن نفسه لبسة الشكر ، و يجد باطنها قصرا مشيدا على رأس العمود ، قد أسس أساسه بالشكر ، و علت جدرانه بمعرفة المنة ، و طنب ( حبل تشد به الخيمة أو الخباء ) سقفه برؤية الجود ، و فرشه من ملاحظة الفضل ، لا ينزله من لم يكن عند الله عز و جل بمكان .


فإن فعل العبد ذلك و رافقه التوفيق ، قعد تارة فى غرف البلوى ، و تارة فى قصر النعمة ، مصروفة همته فى الموضعين لمولاه ، فيكون تارة فى قصر النعمة جليسه ، و تارة فى غرف البلوى أنيسه ، فلا النعمة تشغله عن مجالسته و لا البلوى توحشه من مؤانسته . و هذا ضرب من الأنس بالله عز و جل باليقين و المعرفة على كل حال . فالأنس من سمات أهل الولاية و المنزلة الرفيعة . و حين قيل لرابعة العدوية : بما نلت هذه المنزلة ؟ ( يعنى منزلة الولاية ) قالت : بتركى ما لا يعنينى و أنسى بالله سبحانه .




السلام عليكم و رحمة الله


شرين

الثلاثاء، 1 يونيو 2010

الزهد


الزهد فى نفسه عزوف القلب عن الدنيا و إعراضه عنها ، و تركه لها ، و نظره إليها بعين التغيير و الزوال. فإن صحت للعبد هذه الدرجة سلم من رق الدنيا و استقام له الذهاب إلى الله تعالى و أراح قلبه و بدنه منها ، و صارت الدنيا له خادما تأتيه راغمة . إن فيما جاوز الحاجة من الدنيا مرضا لليقين ، و غشاوة للبصائر، و هو فى حق الزاهد نقص ، و لعين قلبه عمى . هذا طريق ليس لمحب الدنيا فيه موضع ، و إنما وضع لسلاكه ، المستعدين لصعوباته ، الذين يرون ما جاوز الحاجة من الدنيا فضولا ، و يرون المتمسك بالفضول عندهم معلولا .


واعلم أن الدنيا التى يجب الزهد فيها شيئان : الأول و هو ما تعلق به منها حبك فوجدته فشغلك عن الله تعالى السرور به . و الثانى ما تعلق به منها أيضا حبك فمنعت منه و شغلت عن الله تعالى بالتأسف عليه . فهاتان العلتان تستجلبان البعد للقلوب عن الله سبحانه. و قد ندب الله عز و جل عباده إلى اجتناب هذين الشيئين فقال تعالى : " لكى لا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم " ( سورة الحديد - الآية 23 ) . فالفرح بالموجود منها محنة ، و التأسف على الفائت منها معصية محضة . فلله تعالى قضاء يجعل ما تحب من الدنيا فى يدك ، و له أيضا قضاء يزيل عن يدك ما جعل فيه مما تحب . و فى الحقيقة القضاء واحد ، فمتى فرحت بما أوتيت منها تأسفت على زواله لا محالة ، و هو سبب تلقى القضاء بالسخط ، و ليس كل قضاء يوافق إرادة العبد ، فإن المقادير تجرى على وفق إرادة الملك ، لا على وفق إرادة المملوك ، فمتى خالف القضاء إرادة العبد المحروم لم يجد للصبر و الرضى أثرا فلا عثور على مقام الزهد إلا بعد تجرد النفس عن الفرح بالموجود و التأسف على الفائت .


السلام عليكم و رحمة الله

شرين