الجمعة، 11 يونيو 2010

الرضى


الرضى من أشرف مقامات الذاهبين إلى الله تعالى . فأوله إزالة التهم عن الله مع حصول العلم بأنه غير جائر فى حكمه ، و تعلم أنه يأخذ منك ليعطيك ، و يبتليك ليجزيك . فإذا علمت أنه يختار لك ما لا تستطيع أن تختاره لنفسك فاترك اختيارك ليختار لك ما يشاء ، فإن ترك الإختيار فى حق العبد من أوائل الرضى ، و قد قال سبحانه و تعالى : " و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله تعالى عما يشركون " ( سورة القصص - 68 ) . ليس بعد هذه الآية مطلب فى معنى الرضى لمن كان له فهم و جعل جسمه منصوبا للمقادير تتصرف فيه أحكام القدرة على حسب إرادة الله تعالى بلا نفرة و لا اضطراب . و الله عز و جل إذا رضى عن عبد فى الأزل و اختاره صب عليه البلاء صبا و أعطاه من الرضى ما يقابل به البلوى ، بل يعطيه من المعرفة و التعظيم ما يغيب به عن البلوى و لا يحس بها ، لكنه إن أحس ألمها فى جسمه كان السرور بموافقة إرادة مولاه فى قلبه . فهذا صنف قلوبهم عند الله لا عندهم . قيل : أوحى الله إلى أيوب عليه السلام أنى مبتليك ، قال : يا رب أين يكون قلبى ؟ قال : عندى .

فإن أردت أن تعرف رضى مولاك عنك فانظر إلى رضاك عنه فى البلوى ، و موافقتك إرادته فى المصائب ، فإن كنت موافقا لإرادته فهو عنك راض .

من عرف فضل ما يطلب هان عليه ما يترك . و الجزع ضد الصبر ، و السخط ضد الرضى . إن سلمت له الأمر مع أنه مسلم له سكنت لما يرد عليك من حكمه من أجل فنائك عن إرادتك ثم يكون الحق سبحانه و تعالى هو الذى يتولى زوال البلاء عنك .

إن لم ترد للبلاء بقاء عليك ، و لا زوالا عنك ، قصدا منك لطرح إرادتك و متابعة إرادته مع وجود السرور بمجارى الأقدار ، و الإلتذاذ بموافقة إرادة الجبار فاعلم أنك عبد صدوق .

فإذا اختفى مقام الرضى عن العبد برؤية التفريد ( هو أن يتفرد فى الأحوال عن الأحوال فلا يرى لنفسه حالا بل يغيب برؤية محولها عنها و يتفرد عن الأشكال فلا يأنس بها و لا يستوحش منها ) لم يشاهد العبد للرضى مقاما و لا يحس بمصيبة فيجد حيرة . و لقرب الملك دهشة و سكرة و غيبة و لكدورات البشرية تصفية .


السلام عليكم و رحمة الله

شرين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق